نبيل الشعيبي يكتب عن الدكتور مجاهد الحصيني: "مجاهد في أسمه وجوهرة"

نبيل الشعيبي يكتب عن الدكتور مجاهد الحصيني: "مجاهد في أسمه وجوهرة"

سماء الوطن / كتب - نبيل الشعيبي

تحت قبة الضوء الساطع في غرفة العمليات، حيث تلتقي الدقة العلمية مع عظمة الإنسانية، 

هكذا يقف الدكتور مجاهد الحصيني اختصاصي جراحات العظام الميكروسكوبية والأطراف، كأنه نحات ماهر يرمم بقايا تمثال تهشّم بفعل الزمن. 

هنا في غرفة العمليات، حيث لا مجال للخطأ، حينما تتداخل خيوط الأنسجة العصبية المعقدة كشبكة من الحرير، تحتاج إلى يد خبيرة تمتلك العلم واليقين والإبداع كعمل ثلاثي معًا .

في مثل هذه العمليات الجراحية الدقيقة، ينحني الدكتور فوق الميكروسكوب الجراحي المتقدم، لتكشف له عدساته عن تفاصيل خفية لا تراها العين المجردة. 

وبتأنٍ مذهل، يبدأ بالتعامل مع الألياف العصبية الدقيقة (Nerve Fibers) والأعصاب الطرفية (Peripheral Nerves)، مستعينًا بأدوات جراحية فائقة الحساسية، كالمشارط الميكروسكوبية والملقط العصبي (Microscopic Scissors and Nerve Forceps). 

كل حركة من يديه تُقاس بالدقيقة المليمترية، وكأنها ضربات فرشاة رسام على لوحة من الكريستال.

في صلب العملية، يتعامل الدكتور الحصيني مع تحدٍ معقد: إعادة توصيل الأعصاب المقطوعة (Nerve Anastomosis) بدقة تامة. هنا، تظهر عبقريته حين يستخدم الغرز الميكروسكوبية الأحادية (Monofilament Microsutures) بقطر أقل من شعرة الإنسان، يربط بها نهايات العصب وكأنه يعيد الحياة إلى طريق متوقف. يعمل بتركيز يشبه نبض القلب، بين يديه جهاز التنبيه العصبي الجراحي (Intraoperative Nerve Stimulator)، يتحقق من استجابة العصب للإشارات الكهربائية، بحثًا عن أي علامة للحياة تعود مجددًا.

على الطاولة الجراحية، تُجرى عملية معقدة تتطلب تفكيك أعصاب محورية دقيقة باستخدام الأدوات الميكروسكوبية عالية الدقة مثل المايكرو سكالبيل (Microsurgical Scalpel) وموسّعات الأنسجة العصبية (Nerve Expanders).

يتم توجيه العمل بحرفية فريدة، حيث تُفحص الألياف العصبية تحت عدسة مكبرة تتجاوز حدود الرؤية البشرية الطبيعية، في محاولة لإعادة توصيل عصب مقطوع عبر تقنيات ترقيع الأعصاب (Nerve Grafting)، أو باستخدام أنابيب السيليكون الدقيقة لترميم الفجوة العصبية.

أن الدكتور مجاهد، وبمساره الممتد في جراحة العظام الميكروسكوبية، يقف بصلابة أمام أعقد الحالات التي تتطلب إزالة الأنسجة التالفة (Debridement) وإعادة تروية الأنسجة باستخدام المجهر الجراحي (Operating Microscope). 

وتثبيت الأعصاب المشقوقة (Epineurial Repair) أو تقنيات ربط الأعصاب الطرفية (End-to-End Neurorrhaphy) 

هكذا يظهر لنا الدكتور مجاهد بحركاته الهادئة، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه بارزة قد تشاهدها على شاشة الجوال في صورة.

ليس الدكتور مجاهد وحده فحسب بل وإلى جانبه يقف فريقه الطبي، كل منهم يمثل ركيزة أساسية في هذه المهمة الشاقة.

فأخصائي التخدير يراقب العلامات الحيوية بدقة فائقة، يحافظ على استقرار ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، بينما يساعد أحد المساعدين الجراحيين في تثبيت الأطراف باستخدام جهاز التثبيت الخارجي (External Fixator) لضمان سلاسة العمل الجراحي.

وفي الانتهاء من عمل العملية، وبعد ساعات من العمل المضني، يعيد الدكتور الحصيني النظر عبر الميكروسكوب إلى ما أنجزه.

لقد تم إعادة بناء الحزم العصبية (Fascicular Repair) بدقة متناهية، والآن ينتظر الجسد أن يستجيب لهذا الجهد المضني.

يرفع رأسه، وعيناه تحملان نور الطمأنينة، وكأن الكون بأسره يعيد ترتيب أجزائه لصالح حياة جديدة.

هذا ليس مجرد عمل جراحي؛ إنه إبداع فني وعلمي، تظهر فيه عبقرية الإنسان حين يسخّر العلم لخدمة الحياة.

الدكتور مجاهد الحصيني وفريقه ليسوا مجرد أطباء، بل هم معماريون يعيدون بناء الجسد، بأدواتهم ومعرفتهم، في سيمفونية طبية رائعة تتحدث بلغة الشفاء.

أمام هذا المشهد، ترى في عيني الدكتور مجاهد نظرة تفوق حدود الطب. 

هي نظرة عالم أدرك أن الجراحة ليست مجرد مهنة، بل فنٌّ عظيم يتطلب صبراً يليق بالعظماء وعلماً لا يحتمل الخطأ. 

في أعماقه، تنبض فلسفة الإنسان الذي يعيد تشكيل الحياة على طاولة العمليات.

خلف القناع، رجل يحمل همّ الإنسانية فوق كتفيه، لا يبحث عن المجد، بل عن الابتسامة التي ستعود إلى وجه مريض أنهكه الألم.

إنه مجاهد، ليس فقط باسمه، بل في جوهره، رجلٌ يسابق الزمن ويخاطب الجراح، ليعيد صياغة حكاية الجسد الذي استسلم يومًا لليأس. 

وبرفقة فريقه، يثبت أن الطب ليس مجرد مهنة، بل رسالة تحمل في طياتها قداسة العمل وبريق الأمل للحياة..