صهاريج عدن.. تحفة الغساسنة التي تنهشها العشوائيات

سماء الوطن
سماء الوطن / كتب - منى قائد
قمت اليوم، الخميس، برحلة سياحية لزيارة المعالم التاريخية في الحبيبة عدن، برفقة الأستاذة الصحفية والأم الغالية نادرة عبدالقدوس، والإعلامية المتميزة حنان فضل، في جولة هدفها الأول أن أتعرّف عن قرب على إرثنا التاريخي العظيم.
كانت أولى وجهاتنا إلى أهم وأكبر معلم تاريخي وسياحي في عدن، ألا وهو “صهاريج عدن”، هذا المكان العظيم الذي بناه أجدادنا الغساسنة، منذ آلاف السنين، ليحموا المدينة من السيول الجارفة في مواسم الأمطار وأيضاً، لتوفير مياه للشرب.
أذهلني التصميم الهندسي المتقن للصهاريج في أكناف الجبال، كل زاوية وكل حجر، كانت تتحدث عن عظمة الإنسان العدني القديم.
واصلنا تجوالنا والدهشة لا تفارقني، وسط هذا الإرث التاريخي الخالد، لكن للأسف، ما شاهدناه من مناظر في حرم الصهاريج، كان مؤلماً ويبعث على الحسرة.
أجدادنا، بذلوا كل ما في وسعهم لحماية عدن (أم المساكين) من الغرق، بسبب السيول، في موسم الأمطار الغزيرة وتركوا لنا إرثاً نتغنّى به بتعاقب الأجيال، لكننا نرى هذا الإرث قد صار اليوم في غياهب الإهمال والتخريب.
عدن، المدينة التي كانت ولا زالت مطمعاً للغزاة على مر العصور، بسبب موقعها الاستراتيجي، لم تسلم من الحروب وأقساها كانت حرب صيف 2015م، التي أخذت معها كل شيء جميل. ومن بعد الحرب بدأ الخراب يتسلل إلى داخل الصهاريج، ليس بالمدافع والرصاص، بل بمعاول الدخلاء الذين جاؤوا من مناطق ومحافظات أخرى، وشاهدنا بأعيننا التخريب الذي طال كل شبر فيها وسط صمت قاتل من الجهات المختصة والمسؤولة في المدينة.
ببطىء، تم التسلل إلى هذا المعلم العظيم، وتشوهت ملامحه الجميلة، وصارت تُبنى عليه منازل عشوائية، حتى وصلت إلى الجبال ومجاري السيول. ومع غياب الاهتمام، بدأت أسوار الصهاريج وجدرانه تتآكل، وجفّت أشجاره، وتحولت أرضه إلى صحراء عطشة، ناهيك عن مخلفات القمامة.
الصهاريج تشوهت، وكأن أحداً متعمداً يقوم بطمس هذا التاريخ، في ظل غياب تام للحكومة، وتغاضي الجهات المسؤولة وكل من يرفع شعارات الحب لعدن..
عدن التي احتضنت الجميع، بدون تمييز ولا تفرقة، بمحبة وسلام، اليوم تستغيث..
فأين الحكومة من هذا العبث؟ وأين السلطة المحلية في المديرية من كل ما يجري؟ وأين هم هؤلاء الذين يدّعون عشقهم لعدن؟ أين هم من هذا الدمار المتعمد؟
كلها تساؤلات تحتاج لأجوبة… ولكن يبدو أن هناك من في آذانه وقراً، أو به صمم، أو من الذين ينطبق عليهم القول: لا أسمع، لا أرى، لا اتكلم..