محمد تيسير الناخبي يكتب : الاتحاد المدني يوقظ ملف الذمة المالية: حين يتقدم المجتمع على الدولة

محمد تيسير الناخبي
في بلد اعتاد الناس فيه على انتظار مبادرات الحكومة، يبدو أن زمام المبادرة قد تغيّر مؤخرًا. الاتحاد المدني لمكافحة الفساد، برئاسة فادي باعوم، لم ينتظر حكومةً تتطهر ولا مسؤولًا يعترف، بل قرر أن يقف في موقع الفعل، ويفتح – بشجاعة – واحدًا من أكثر الملفات حساسية: إقرار الذمة المالية.
أن يأتي الحراك من اتحاد مدني لا يحمل سلطة تنفيذية ولا امتيازات حكومية، فهذا بحد ذاته دلالة على تحوّل مهم في وعي الشارع الجنوبي ، ورسالة قوية: أن المجتمع لم يعد يرضى بدور المتفرج، بل أصبح يقود معركة الشفافية من الأمام.
لماذا الذمة المالية الآن؟
قد يتساءل البعض: ما أهمية الذمة المالية وسط هذا الانهيار الاقتصادي والتدهور الأمني؟
والجواب بسيط: لأن الذمة المالية هي بوابة الإصلاح الأولى. لا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد بينما تظل ممتلكات المسؤولين في الظل، ولا يمكن بناء دولة قانون إذا لم يبدأ كل مسؤول بتقديم كشف حساب علني.
القانون رقم (30) لسنة 2006 ليس قانونًا جديدًا، لكنه كان "نائمًا" بفعل الإهمال أو التواطؤ. وعندما يطالب الاتحاد المدني بتفعيله، فهو لا يطالب بشيء ثوري، بل بأبسط قواعد الحوكمة التي تطبقها حتى دول الجوار.
شجاعة المواجهة
ما فعله الاتحاد، بقيادة فادي باعوم، لا يمكن وصفه إلا بـ"شجاعة المواجهة". فقد سمّى الأمور بمسمياتها، ووجّه أصابع الاتهام للحكومات السابقة التي تهرّبت من تقديم إقرارات الذمة المالية، دون أن يُجامل أحدًا. وهذا بالضبط ما تحتاجه البلاد: مواقف صريحة، لا خطابات رمادية.
وما يُحسب للاتحاد أنه لم يكتف بالنقد، بل لوّح بالتصعيد القانوني، مؤكدًا أن من يتجاهل القانون يجب أن يُحاسب، لا أن يُكافأ بمنصب جديد.
الاتحاد... نموذج للمجتمع الرقابي
في زمن غابت فيه الرقابة المؤسسية، ظهر الاتحاد المدني كنموذج بديل للرقابة المجتمعية. لم يطلب صلاحيات، بل استخدم ما يملكه من شرعية أخلاقية ومكانة مجتمعية ليعيد توجيه البوصلة نحو الشفافية. وهذا هو الدور الحقيقي لأي اتحاد مدني أو منظمة مجتمع مدني: أن تكون صوت الناس وضمير الدولة.
هل تلتقط الحكومة الرسالة؟
الكرة الآن في ملعب حكومة الدكتور سالم بن بريك. هل تستجيب لهذه الدعوة، وتبدأ بإعلان ذمم أعضائها؟ أم أنها ستنضم لقائمة من تجاهلوا القانون وفرّغوا الدولة من مضمونها؟
إن الاستجابة لهذا المطلب لن تكون مجرد إجراء شكلي، بل اختبار حقيقي لمصداقية هذه الحكومة، وفرصة لإعادة بعض من الثقة المهدورة بين المواطن والدولة.
الكلمة الأخيرة للمجتمع
ما فعله الاتحاد يجب أن لا يكون مجرد خبر يُتداول، بل بداية حملة شعبية شاملة. على الإعلاميين، والناشطين، والصحفيين، والمؤثرين، أن يجعلوا من قضية الذمة المالية مطلبًا لا يمكن التراجع عنه.
فمن يرفض كشف ذمته، كما قال فادي باعوم، لا يحمي نزاهته، بل يهرب من الحقيقة. ونحن – كمجتمع – لا نريد مسؤولين يهربون من الحقيقة، بل من يواجهونها بشجاعة.