اغتنموا يوم عرفة - كتب / فضل صالح

اغتنموا يوم عرفة - كتب / فضل صالح

سماء الوطن

إذا كانت المواسم في حياة الأمة الإسلامية محطات يتزود فيها المؤمن من زاد التقوى، ويجدد فيها عهده مع الله، فإن يوم عرفة يتصدر هذه المواسم، ويرتقي منزلةً لا تضاهيها أيامٌ سواه، سوى ما استثناه الوحي من يوم النحر. إنه يوم مشهود، و قد وصفه رسول الله -ﷺ- بخير أيام الدنيا.

 فضائل يوم عرفة

يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو أحد الأيام المعلومات التي قال الله تعالى عنها:

﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].

وقد وردت في فضل هذا اليوم نصوص جليلة منها:

قول النبي ﷺ: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة" [رواه مسلم].

وورد عنه ﷺ أنه قال عن صيامه: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده" [رواه مسلم].

إنه يوم الرحمة والمغفرة، يوم تفيض فيه أنوار القرب من الله، فيغدو العبدُ فيه بين يدي مولاه داعيًا، مخبتًا، متضرعًا.

 الحث على الطاعات والأذكار

من فضائل هذا اليوم المبارك أنه حريٌّ بأن يُستثمر في الإكثار من الطاعات والعبادات، وعلى رأسها الذكر والدعاء، قال تعالى:

﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: 200].

وقد سنّ النبي ﷺ لأمته أن يُكثروا من قول:

"الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

ويُستحب كذلك أن يُكثر

 العبد في هذا اليوم من التهليل والتكبير والتحميد، مع حضور القلب واستحضار معاني العبودية، إذ إنه يوم يغفل فيه كثير من الناس عن عظيم الأجر وسعة المغفرة. قال النبي ﷺ:

"أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" [رواه الترمذي].

فهو يوم يُرجى فيه القبول، وتُرفع فيه الحاجات إلى مَن بيده الأمر كلّه، وهو سبحانه كريم لا يُرد من سأله خائبًا.

 الدعاء في يوم عرفة

إن الدعاء في يوم عرفة سلاح المؤمن، وعلامة صدق توجهه، وينبغي أن يكون الدعاء في هذا اليوم دعاءً خاشعًا منيبًا، لا اعتداء فيه ولا ظلم للغير، فالمسلم لا يدعو على أحد بغير حق، ولا يتمنى الشر لعباد الله، بل يقول في دعائه ما يرفع البلاء والظلم، ويحقق مقاصد الرحمة والعدل، كأن يقول:

"اللهم إنك بحالنا في الجنوب أعلم به منا، فإنا نسألك أن ترفع عنا الظلم، كيفما شئت، وبما شئت، وأن تنصرنا نصراً عزيزًا، وأن تنتقم لنا ممن بغى علينا بما يليق بعدلك ورحمتك، لا بما يشفي صدورنا فقط، فأنت أرحم الراحمين."

وهذا من الدعاء المشروع الذي يجمع بين الرجاء والعدل، دون تعدٍّ على أحد، أو تمنٍّ للشر بغير حق.

 التسامح والتراحم

من مظاهر تعظيم هذا اليوم المبارك أن يُقابل العبد الناس بخلقٍ كريم، ويجعل يوم عرفة يوم تسامح ومصالحة، لا تباغضٍ وشحناء.

ويوم عرفة مناسبة ليجدد الإنسان عهده مع نفسه أن يغفر لمن ظلمه، ويصفح عمن أساء إليه، فينال بذلك أجرًا مضاعفًا، وراحةً للقلب، وصفاءً للنفس، فلا يُحرم بركة هذا اليوم بسبب حقد أو ضغينة.

 الصيام في يوم عرفة

من أعظم الأعمال في هذا اليوم صيامه لغير الحاج، وقد بيَّن النبي ﷺ أن صيامه يُكفِّر ذنوب سنتين. وهو من أعظم القربات لمن يرجو رحمة الله ومغفرته، وإن كان الحاج لا يُسن له الصيام ليقوى على الوقوف والدعاء.

والصيام في يوم عرفة لا يقتصر نفعه على الأجر الأخروي فحسب، بل يُعد تربية للنفس، وتزكيةً للروح، وتجديدًا للعهد مع الله، وتكفيرًا للسيئات التي قد تعلقت بالعبد في عامه المنصرم.

إن يوم عرفة ليس يومًا عاديًا في حياة المسلم، بل هو موسم عظيم من مواسم التوبة والرجوع، والصفح والمغفرة، والدعاء والعمل الصالح. فمن بلّغه الله هذا اليوم، فقد بلّغه خيرًا عظيمًا، فعليه أن يغتنمه بكامل جوارحه، وأن لا يضيّع ساعاته في الغفلة واللهو.

اغتنموا يوم عرفة

فطوبى لمن وقف في يوم عرفة بقلب خاشع، ولسان ذاكر، ونفس صائمة، ونية صادقة، فسأل الله خير الدنيا والآخرة، وخرج من يومه مغفورًا له.